سماء فاضت بينابيع الأسي ناحت
زانها الشوق دمعا ينهمر
حاملا في يده اليمنى وردة و يده اليسري على قلبه, مختفيا وراء شجرة مكتوب عليها اسمها واسمه. غارقا في دمعه علي غير العادة يتأمل في صمت بقايا من يحب وهي تساعد أباها في حمل ما تبقى من متاع المنزل لتنقله إلى سيارة الرحيل
لم يكن يتوقع ابن السادسة عشر أن يري مشهدا مؤلما كهذا من قبل وهو الذي كان يمضى معها كل الدقائق ضاحكا متمتعا بنعمة اللقاء ناسجا من الثواني أحلاما أكبر من عمره بكثير
آه كم هو رائع ذلك الشيء الذي يسمى نفسه لقاء
و آه منك أيها الفراق
أثقله الحضور فراح كبركان ثائر يصب جام حممه الدمعية على تلك السيارة الملعونة التي ستقضى بعد انطلاقها على كل أحلامه في أن يكون أبا
أما هي ففي رَوْحِها تحمل متاعا تبحث له عن مكان مناسبا في السيارة وفي جيّتِهَا تحمل قلبها بين يديها باحثة بنظرها عن تربة حضوره لتزرعه فيه باكية قد أثقلها الغياب
يخرج أبوها مبتسما يغلق باب المنزل في صمت و يغلق معه باب الذكريات
حان وقت الرحيل يا بنيتي...
و بعين دامعة ولكنه لم يأت بعد يا أبت؟
دعك من ذلك البائس الفقير ستجدين أصدقاء أفضل منه
ثم يمسك بيدها ليدخلها إلى السيارة لترتمي باكية على الكرسي الخلفي.
لم تفقد الأمل في حضوره فراحت تلصق وجهها بالزجاج الخلفي باحثة عنه من جديد
كان يراقب كل شيء من بعيد وكان يعلم ما يدور بينهما من حوار
ذلك المتعجرف المتكبر الشرير أنا أغنى منك بما أحمله في..
يقطع دابر هذيانه صوت إشعال المحرك ليشتعل في قلبه فتيل الذكريات , وما أن تنطلق السيارة إلا وتسري في أعصابه سيالة عصبية ترسم له طفولة ستضيع و أحلام ستهدم ليخرج من مخبأه راكضا باتجاه السيارة ملوحا بكلتا يديه
أنتظرينى
أنا....
يتعثر ليسقط أرضا خائر القوي مثقلا بالذكريات ,لم يحرك ساكنا.يمد يده ليحتضن الأرض ثم يغمض عينيه وراح في رحلة البحث عن صوت يثمن له دموعه
أنا لا حظ لي..
تتوقف السيارة ليقفز منها بقايا روح امرأة تجري على حواف قدميها قد خالط دمع سعادتها بمجيئه الآن دمع فراقه بعد قليل. لتتعثر هي أيضا وتسقط. لم يكن يفصل بينها إلا بعض الخطوات
يرفع كليهما رأسه لتسأله باسمة.
أكل هذا الدمع من اجلي يا صديقي
يقف ليمسح دمعه وينفض عنه الغبار
ومن قال لك أنى أحبك
وقفت حائرة واستدارت بخطى متثاقلة تشد طريقها إلى الرحيل غارقة في بحر كلماته, تفتح الباب في صمت تلتفت إليه تودعه بابتسامة وسط أنهار من الدمع, تركب لتنطلق السيارة ولكن هذه المرة بلا رجعة
تهمس الذكريات في أذنه مرة أخري لينطلق راكضا ملوحا بيده إلا السماء
أرجوك...أرجوك
أنا..
أنت ماذا يا ولدي؟؟
ينزل يده..
يمسح دمعه ثم يغلق النافذة
ذكراها يا أماه ذكراها....
مرت سبع 7 سنوات يا أماه وكلما أطللت من هذه النافذة على ذلك الشارع أري تلك الشجرة ما زالت هناك تعود بي الذاكرة إلى ذلك المشهد الأليم
أتراها أصبحت امرأة جميلة كما وعدتني ذات يوم
تطأطئ أمه رأسها راثية لحاله
يبتسم لها ويتجه إلى مكتبه ليفتح رفا ويستخرج منه رسالة
الرسالة
لك منى السلام
مرت ست 6 سنوات
وكلماتك لم تفارق خيالي
ركضت إليك يومها ويا ليتنى لم أركض
تعثرت حينها ويا ليتنى لم أتعثر
حدقت إليك ويا ليتنى لم أفعل
سألتك ويا ليتنى لم أسألك
أكل هذا الدمع من أجلى
ومن قال لك أنى أحبك
أتعلم.
وجدت في جوابك تعريفا جميلا لتلك الأحاسيس التي كانت تخالجني منذ أن عرفتك جمعتها لى في كلمة واحدة أحبك
إنه الحب سيدي نعم لم نكن أصدقاء بل عشاق
هذه أول رسالة و أظنها آخر رسالة
لك منى سلام يا إبن الوريد
أوصيك بالشجرة خيرا
سلام..
الحيرة
يقلب الورقة باحثا عن إجابات بعد أن قدم له السؤال أكبر مساحة ليسكنها
تراها ماذا كانت تعنى بقولها أنها أول وآخر رسالة
ولما ألقت علي السلام
أتراها قد خانت وعدها لي
يرمي الرسالة على جانب المكتب ويهرول باتجاه القبو
ليخرج و في يده فأس
تتأمله أمه في حيرة
إلى أين يا ولدي
لقد قررت أن أقطع الشجرة
يا ولدي مر عام 1 وأنت تقرأ هذه الرسالة وفي كل مرة تقرأها تحمل هذا الفأس اللعين قد أخبرتك يا ولدى ان تلك الشجرة غرست جذورها عميقا في قلبك ,و مدت فروعها في روحك وإن قطعتها فلن تستطيع أن تقطع ساق الذكريات
أماه ربما هي الآن مع رجل آخر
أرجوك دعيني
هاهو يهرول باتجاه الشجرة كوحش كاسر يلعن ويسب ويشتم حظه الوحيد العاثر ليجتمع حوله جمع غفير
يلقي نظرة أخيرة على الشجرة وما أن رفع يده ليهوي عليها بفأسه
ألقت عجوز في ملابس رثة نفسها على الشجرة وراحت تحضنها باكية تستسمحه
أرجوك لا تفعل
هذا كل ما تبقى لي من ذكراها
ألم توصك بالشجرة خيرا يا ابن الوريد
منذ رحيلنا وهي تبكيك ليقعدها المرض طريحة الفراش, مرض لم يجد له الأطباء تشخيصا وأظنه داء العشاق, ست سنوات من الهذيان باسمك, توفيت وهي تكتب لك سلام الرسالة .كان سلامها الأخير سلام مودع ليتوفي أبوها حزنا عليها وها انت تري حالي من بعد فراقهما
يسقط الفأس من يده ليرجع بعض الخطوات إلى الخلف مبتسما ثم يلتفت إلى الجمع الغفير, يحييهم مبتسما. شكرا لحضوركم ثم يتقدم للشجرة و يحضنها
سيدي حان وقت رجوعك إلى الغرفة
يترك الشجرة باكيا ويلتفت إليها
هل أعجبتك حكايتى مع الشجرة اعدك بأنى سأعيدها لك غذا
لا بأس سأنتظر ولكن شرط أن تأخذ حقنتك أولا وتنام هادئا
تدخله إلا غرفته وقد خالط دمعها دمعه تحقنه لينام
تستخرج الدفتر
مجنون الشجرة
الشهر الثاني
ككل يوم يخرج إلى ساحة المصحة يحتضن شجرة من أشجارها ويروي لى قصة حبه من أول يوم رحيلها إلى لحظة احتضانه الشجرة لحظة جنونه...إنتهي